الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ وقال شيخ الإسلام ـ قدسََ الله رُوحَهُ : في قوله تعالى: وفي الصحيح ـ أيضًا ـ عن ابن جُرَيجٍ سمعت ابن أبي مُلَيكَةَ يقول : قال ابن عباس: فعائشة جعلت استيأس الرسل من الكفار للمكذبين، وظنهم التكذيب من المؤمنين بهم، ولكن القراءة الأخري ثابتة لا يمكن إنكارها، وقد تأولها ابن عباس، وظاهر الكلام معه، والآية التي تليها إنما فيها استبطاء النصر، وهو قولهم: وقوله: / فالاعتقاد المرجوح هو ظن، وهو وهم، وهذا الباب قد يكون من حديث النفس المعفو عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل)، وقد يكون من باب الوسوسة التي هي صريح الإيمان، كما ثبت في الصحيح أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحَّرق حتى يصير حُمَمَة، أو يخر من السماء إلى الأرض، أحب إليه من أن يتكلم به. قال: (أو قد وجدتموه؟) قالوا: نعم. قال: (ذلك صريح الإيمان)، وفي حديث آخر: إن أحدنا ليجد ما يتعاظم أن يتكلم به. قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). فهذه الأمور التي هي تُعْرض ثلاثة أقسام:منها ما هو ذنب يضعف به الإيمان، وإن كان لا يزيله، واليقين في القلب له مراتب، ومنه ما هو عفو يعفي عن صاحبه، ومنه ما يكون يقترن به صريح الإيمان. ونظير هذا: مـا في الصحيح عـن ابن شهاب عـن سعيد بن المسيب وأبي سلمـة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لَبِثْتُ في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي، ونحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال له ربه: ومعلوم أن إبراهيم كان مؤمنًا كما أخبر الله عنه بقوله: وفي قصص هذه الأمور عبرة للمؤمنين بهم، فإنهم لابد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك، ولا ييأسوا إذا ابتلوا بذلك، ويعلمون أنه قد ابتلي به من هو خير منهم، وكانت العاقبة إلى خير، فليتيقن المرتاب، ويتوب المذنب ويقوي إيمان المؤمنين فبها يصح الاتساء بالأنبياء كما في قوله: / وفي القرآن من قصص المرسلين التي فيها تسلية وتثبيت؛ ليتأسي بهم في الصبر على ما كذبوا وأوذوا، كما قال تعالى: وإذا كـان الاتساء بهم مشروعـا في هـذا وفي هـذا فمن المشروع التوبة من الذنب، والثقة بوعد الله،وإن وقع في القلب ظن من الظنون وطلب مزيد الآيات لطمأنينة القلوب، كما هو المناسب للاتساء والاقتداء دون ما كان المتبوع معصومًا مطلقًا. فيقول التابع: أنا لست مـن جنسـه، فإنـه لا يذكر الذنب، فـإذا أذنب استيأس من المتابعة والاقتداء، لما أتي به مـن الذنب الذي يفسـد المتابعـة على القول بالعصمة، بخلاف ما إذا قيل: إن ذلك مجبور بالتوبة، فإنه تصح معه المتابعة، كما قيل: أول من أذنب وأجرم ثم تاب وندم آدم أبو البشر، ومن أشبه أباه ما ظلم. / والله ـ تعالى ـ قص علينا قصص توبة الأنبياء لنقتدي بهم في المتاب، وأما ما ذكره ـ سبحانه ـ أن الاقتداء بهم في الأفعال التي أقروا عليها فلم ينهوا عنها، ولم يتوبوا منها، فهذا هو المشروع. فأما ما نهوا عنه وتابوا منه فليس بدون المنسوخ من أفعالهم، وإن كان ما أمروا به أبيح لهم، ثم نسخ، تنقطع فيه المتابعة، فما لم يؤمروا به أحري وأولي. وأيضًا، فقوله: فأما الشك فيما يعلم أنه أخبر به فهذا لا يكون، وسنوضح ذلك ـ إن شاء الله تعالي. ومما ينبغي أن يعلم أنه ـ سبحانه ـ ذكر هنا شيئين: أحدهما: استيئاس الرسل. والثاني: ظن أنهم كذبوا. وقد ذكرنا لفظ: (الظن)،فأما لفظ:(استيأسوا )، فإنه قال سبحانه:{حّتَّي" إذّا \سًتّيأّسّ برٍَسٍل }ولم يقل: يئس الرسل، ولا ذكر ما استيأسوا منه، وهذا اللفظ قد ذكره في هذه السورة: وقد يقال: الاستيئاس ليس هو الإياس؛ لوجوه: أحدها: أن إخوة يوسف لم ييأسوا منه بالكلية، فإن قول كبيرهم: وأيضا، فـ (اليأس): يكون في الشيء الذي لا يكون، ولم يجئ ما يقتضي ذلك، فإنهم قالوا: الوجه الثاني : قال لهم يعقوب: ومن المعلوم أنهم لم يكونوا كافرين فهذا هو الوجه الثالث ـ أيضًا: وهو أنه أخبر أنه: الوجه الرابع: أن الاستيئاس استفعال من اليأس، والاستفعال / يقع على وجوه: يكون لطلب الفعل من الغير، فالاستخراج والاستفهام والاستعلام يكون في الأفعال المتعدية، يقال: استخرجت المال من غيري، وكذلك استفهمت، ولا يصلح هذا أن يكون معنى الاستيئاس، فإن أحدا لا يطلب اليأس ويستدعيه؛ ولأن استيأس: فعل لازم لا متعد. ويكون الاستفعال لصيرورة المستفعل على صفة غيره ، وهذا يكون في الأفعال اللازمة كقولهم : استحجر الطين، أي : صار كالحجر.واستنوق الفحل ، أي : صار كالناقة. وأما النظر فيما استيأسوا منه ، فإن الله ـ تعإلى ـ ذكر ذلك في قصة إخوة يوسف حيث قال: وأما الرسل فلم يذكر ما استيأسوا منه، بل أطلق وصفهم بالاستيئاس، فليس لأحد أن يقيده بأنهم استيأسوا مما وعدوا به، وأخبروا بكونه، ولا ذكر ابن عباس ذلك. وثبت أن قوله: فإذا كان الخبر عن استيئاسهم مطلقًا، فمن المعلوم أن الله إذا وعد الرسل والمؤمنين بنصر مطلق ـ كما هو غالب إخباراته ـ لم يقيد زمانه ولا مكانه، ولا سنته، ولا صفته، فكثيرا ما يعتقد الناس في الموعود به صفات أخري لم ينزل عليها خطاب الحق، بل اعتقدوها بأسباب أخري، كما اعتقد طائفة من الصحابة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم أنهم يدخلون المسجد الحرام، ويطوفون به، أن ذلك يكون عام الحديبية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا، ورجا أن يدخل مكة ذلك العام، ويطوف ويسعي. فلما استيأسوا من دخوله مكة ذلك العام ـ لما صدهم المشركون، حتى قاضاهم النبي صلى الله عليه وسلم على الصلح المشهور ـ بقي في قلب بعضهم شيء، حتى قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تخبرنا أنا ندخل البيت ونطوف؟ قال: (بلي. فأخبرتك أنك تدخله هذا العام؟) قال: لا. قال: (فإنك داخله ومطوف) وكذلك قال له أبو بكر. وكان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أكثر علمًا وإيمانًا من عمر، حتى تاب / عمر مما صدر منه، وإن كان عمر ـ رضي الله عنه ـ محدثًا كما جاء في الحديث الصحيح، أنه قال صلى الله عليه وسلم: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتى أحد فعمر) فهو ـ رضي الله عنه ـ المحدث الملهم، الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ، ولكن مزية التصديق الذي هو أكمل متابعة للرسول، وعلمًا وإيمانًا بما جاء به، درجته فوق درجته؛ فلهذا كان الصديق أفضل الأمة، صاحب المتابعة للآثار النبوية، فهو مُعَلِّمٌ لعمر، ومُؤَدِّبٌ للمحدث منهم الذي يكون له من ربه إلهام وخطاب، كما كان أبو بكر مُعَلِّمًا لعمر ومؤدبًا له حيث قال له: فأخبرك أنك تدخله هذا العام؟ قال: لا، قال: إنك آتيه ومطوف. فبين له الصديق أن وعد النبي صلى الله عليه وسلم مطلق غير مقيد بوقت، وكونه سعي في ذلك العام وقصده لا يوجب أن يعني ما أخبر به؛ فإنه قد يقصد الشيء ولا يكون، بل يكون غيره، إذ ليس من شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كما قصده، بل من تمام نعمة ربه عليه أن يقيده عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده، كما كان صلح الحديبية أنفع للمؤمنين من دخولهم ذلك العام، بخلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صادق لابد أن يقع ما أخبر به ويتحقق. / وكذلك ظن النبي كما قال في تأبير النخل: (إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله فإني لن أكذب على الله)، فاستيئاس عمر وغيره من دخول ذلك هو استيئاس مما ظنوه موعودًا به، ولم يكن موعودًا به. ومثل هذا لا يمتنع على الأنبياء أن يظنوا شيئًا فيكون الأمر بخلاف ما ظنوه فقد يظنون فيما وعدوه تعيينًا وصفات ولا يكون كما ظنوه، فييأسون مما ظنوه في الوعد، لا من تعيين الوعد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت أن أبا جهل قد أسلم، فلما أسلم خالد ظنوه هو، فلما أسلم عكرمة علم أنه هو). وروي مسلم في صحيحه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال: (لو لم تفعلوا هذا لصلح). قال: فخرج شيصًا[في المطبوعة: (سبتا)، والمثبت من مسلم] فمر بهم فقال: (ما لنخلكم [في المطبوعة: (لفحلكم)، والمثبت من مسلم]؟) قالوا: قلت: كذا وكذا. قال: (أنتم أعلم بأمر دنياكم) [والشيصُ: التمر الذي لايشتد نواه ويقوي، وقد لا يكون له نوي أصلا]. وروي ـ أيضا ـ عن موسي بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله، قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل، فقال: (ما يصنع هؤلاء ؟) فقال: يلَقِّحُونه يجعلون الذكر في الأنثي فَتَلْقَحُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أظن يغني ذلك شيئًا) فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإنني / ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حَدَّثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله). فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا حدثنا بشيء عن الله أن نأخذ به فإنه لن يكذب على الله، فهو أتقانا للّه، وأعلمنا بما يتقي، وهو أحق أن يكون آخذًا بما يحدثنا عن اللّه، فإذا أخبره اللّه بوعد كان علينا أن نصدق به، وتصديقه هو به أعظم من تصديقنا، ولم يكن لنا أن نشك فيه، وهو ـ بأبي ـ أولي وأحري ألا يشك فيه، لكن قد يظن ظنًَا، كقوله: (إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن)، وإن كان أخبره به مطلقًا فمستنده ظنون، كقوله ـ في حديث ذي اليدين ـ : (ما قصرت الصلاة ولا نسيت). وقد يظن الشيء ثم يبين الله الأمر على جليته، كما وقــع مثل ذلك في أمور، كقوله تعالى: وكذلك في قصة بني أبيرق التي أنزل الله فيها: وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عيسي الأنصاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نَقِيضًا من فوقه، فرفع رأسه. فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح إلا اليوم، فنزل منه ملك. فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم ، فَسَلَّمَ وقال: أبشر بنورين أُوتِيتَهُما لم يؤْتَهُما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته. وفي صحيح مسلم عن آدم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: وفي صحيح مسلم عـن العـلاء بن عبد الرحمن عـن أبيـه عـن أبي هـريرة قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي عليه جمهور أهل الحديث والفقه أنه يجوز عليهم الخطأ في / الاجتهاد، لكن لا يقرون عليه، وإذا كان في الأمر والنهي فكيف في الخبر؟ وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم تختصمون إلي،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع،فأحسب أنه صادق،فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار) فنفس ما يعد الله به الأنبياء والمؤمنين حقًا لا يمترون فيه،كما قال تعالى في قصة نوح: وللناس فيها قولان مشهوران؛ بعد اتفاقهم على أن التمني هو التلاوة والقرآن، كما عليه المفسرون من السلف كما في قوله: وإذا كان التمني لا بد أن يدخل فيه القول ففيه قولان: الأول: أن الإلقاء هو في سمع المستمعين ولم يتكلم به الرسول، وهذا قول من تأول الآية بمنع جواز الإلقاء في كلامه. والثاني ـ وهو الذي عليه عامة السلف ومن اتبعهم : أن الإلقاء في نفس التلاوة، كما دلت عليه الآية وسياقها من غير وجه، كما وردت به الآثار المتعددة، ولا محذور في ذلك إلا إذا أقر عليه، فأما إذا نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته فلا محذور في ذلك، وليس هو خطأ وغلط في تبليغ الرسالة، إلا إذا أقر عليه. ولا ريب أنه معصوم في تبليغ الرسالة أن يقر على خطأ، كما قال: (فإذا حدثتكم عن الله بشيء فخذوا به، فإني لن أكذب على الله)، ولولا ذلك لما قامت الحجة به،فإن كونه رسول الله يقتضي أنه صادق فيما يخبر به عن الله،والصدق يتضمن نفي الكذب ونفي الخطأ فيه. فلو جاز عليه الخطأ فيما يخبر به عن الله وأقر عليه لم يكن كل ما يخبر به عن الله. والذين منعوا أن يقع الإلقاء في تبليغه فروا من هذا، وقصدوا / خيرًا، وأحسنوا في ذلك، لكن يقال لهم: ألقي ثم أحكم، فلا محذور في ذلك. فإن هذا يشبه النسخ لمن بلغه الأمر والنهي من بعض الوجوه، فإنه إذًا موقن مصدق برفع قول سبق لسانه به ليس أعظم من إخباره برفعه. ولهذا قال في النسخ: فإذا كان من الجائز في باب الأمر والنهي أن يظنوا شيئًا، ثم يتبين الأمر لهم بخلافه، فلأن يجوز ذلك في باب الوعد والوعيد بطريق الأولي والأحري، حتى إن باب الأمر والنهي إذا تمسكوا فيه بالاستصحاب، لم يقع في ذلك ظن خلاف ما هو عليه الأمر في نفسه، فإن الوجوب والتحريم الذي لا يثبت إلا بخطاب إذا نفوه قبل الخطاب، كان ذلك اعتقادًا مطابقًا للأمر في نفسه، وباب الوعد إذا لم يخبروا به قد يظنون انتفاءه، كما ظن الخليل جواز المغفرة لأبيه حتى استغفر له، ونهينا عن الاقتداء. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، وحتى استأذن ربه في الاستغفار لأمه فلم يؤذن له / في ذلك،وحتى صلى على المنافقين قبل أن ينهي عن ذلك وكان يرجو لهم المغفرة، حتى أنزل الله ـ عز وجل : ولهـذا سوغ العلماء أن يروي في باب الوعد والوعيد من الأحاديث ما لم يعلم أنـه كـذب، وإن كـان ضعيف الإسـناد، بخـلاف بـاب الأمر والنهي فإنه لا يؤخذ فيه إلا بما يثبت أنه صدق؛ لأن بـاب الوعـد والوعيـد إذا أمكـن أن يكـون الخبر صدقا وأمكن أن يوجـد الخبر كـذبا لم يجـز نفيـه، لا سيما بلا علم، كما لم يجز الجـزم بثبـوته بـلا علم، إذ لا محـذور فيـه. منابت الناس اللفظ تعيين الوعـد والوعيـد، فـلا يجـوز منع ذلك بمنع الحديث إذا أمكن أن يكون صدقا؛ لأن في ذلك إبطال لما هو حق، وذلك لا يجوز. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل / ولا حرج)، وهذا الباب وهو: (باب الوعد والوعيد)، هو في الكتاب بأسماء مطلقة للمؤمنين، والصابرين، والمجاهدين، والمحسنين، فما أكثر من يظن من الناس أنه من أهل الوعد، ويكون اللفظ في ظنه أنه متصف بما يدخل في الوعد لا في اعتقاد صدق الوعد في نفسه. وهذا كقوله: وقـد يقـع مـن النصر الموعود به ما لا يظن أنه من الموعود به ، فالظن المخطئ، فهم ذلك كثير جـدا أكثر مـن باب الأمـر والنهي مـع كثرة مـا وقع من الغلط في ذلك، وهذا مما لا يحصر الغلـط فيـه إلا الله ـ تعإلى ـ وهذا عام لجميع الآدميين، لكن الأنبياء ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ لا يقـرون، بل يتبين لهم، وغير الأنبياء قـد لا يتبين لـه ذلك في الدنيا. ولهذا كثر في القرآن ما يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتصديق الوعد / والإيمان، وما يحتاج إليه ذلك من الصبر إلى أن يجيء الوقت، ومن الاستغفار لزوال الذنوب التي بها تحقيق اتصافه بصفة الوعد، كما قال تعالى:
قال شيخ الإِسلام ـ رَحِمهُ اللَّه: في قوله تعالى: وقيل: إذا سميتموها آلهة فسموها باسم الإله، كالخالق والرازق، فإذا كانت هذه كاذبة عليها فكذلك اسم الآلهة، وقد حام حول معناها كثير من المفسرين، فما شفوا عليلا ولا أرووا غليلاً، وإن كان ما قالوه صحيحًا. فتأمل ما قبل الآية وما بعدها يطلعك على حقيقة المعني، فإنه ـ سبحانه ـ يقول: فإذا جعلتم أولئك شركاء فسموهم إذًا بالأسماء التي يسمي بها القائم على كل نفس بما كسبت، فإنه ـ سبحانه ـ يسمي بالحي القيوم، المحيي المميت، السميع البصير، الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، ووجود كل شيء به. فهل تستحق آلهتكم اسمًا من تلك الأسماء؟ فإن كانت آلهة حقًا فسموها باسم من هذه الأسماء، وذلك بهت بين؛ فإذا انتفي عنها ذلك علم بطلانها كما علم بطلان مسماها. وأما إن سموها بأسمائها الصادقة عليها كالحجارة، وغيرها من مسمي الجمادات، وأسماء الحيوان التي عبدوها من دون الله، كالبقر وغيرها، وبأسماء الشياطين الذين أشركوهم مع الله ـ جل وعلا ـ وبأسماء الكواكب المسخرات تحت أوامر الرب، والأسماء الشاملة لجميعها أسماء المخلوقات المحتاجات، المدبرات، المقهورات. وكذلك بنو آدم عبادة بعضهم بعضا، فهذه أسماؤها الحق، وهي تبطل إلهيتها؛ لأن الأسماء من لوازم الإلهية مستحيلة عليها، فظهر أن تسميتها آلهة من أكبر الأدلة على بطلان إلهيتها، وامتناع كونها شركاء لله ـ عز وجل.
|